الوزير.. من منظور الموارد البشرية



من التعيين (Hire) إلى الإقالة (Fire):

الوزير.. من منظور الموارد البشرية

 

ثمة حاجة تدعونا للنظر إلى ''الوزير'' من زاوية جديدة، وهنا تتقافز التساؤلات: هل المنصب تكليف أم تشريف؟ هل يملك الوزير ''وصفا وظيفيا'' يحدد مهامه ومسؤولياته؟ هل يملك ''لائحة صلاحيات''؟ هل يخضع لتقييم أداء آخر العام؟ هل.. وهل..

فالوزير وإن كان شاغل أعلى منصب حكومي، إلا أنه ''موظف'' في نهاية الأمر له حقوق وعليه واجبات. ومن هذا المنطلق، ندعوكم للنظر إلى ''المنصب الوزاري'' من زاوية الموارد البشرية.

الوصف الوظيفي

الوصف الوظيفي يعد ''وثيقة'' تشتمل على بيانات وظيفية مهمة تنير شاغل الوظيفة الذي سيوقع عليها بأي لون كان.. ''أسود'' كقلم وزير الصحة، أو ''أخضر'' كقلم وزير التربية والتعليم، أو ''أحمر'' كقلم وزير العمل!

الوصف الوظيفي يتمحور حول المسؤولية، والمساءلة، والصلاحية. كما يشتمل على المؤهلات المطلوبة (KSA)، وهي لا تعكس اختصار ''السعودية''، وإنما ترمز إلى المعرفة (Knowledge)، والمهارات (Skills)، والقدرات (Abilities) اللازم توافرها في شاغل الوظيفة. بل أن بعض الأوصاف الوظيفية تتضمن مؤشرات لقياس الأداء (KPIs). فهل لدى الوزير حاليا أية مؤشرات لقياس الأداء؟ وكيف تتحدد مهامه ومسؤولياته؟

إن غياب الوصف الوظيفي يعني أن شاغل الوظيفة سيدخل في مرحلة ''اجتهاد'' عرضة للصواب والخطأ. لهذا، هناك مقترح لمجلس الوزراء أن يقوم بتنفيذ مشروع تحليل وظيفي ينتج منه أوصاف وظيفية للوزراء بناءً على طبيعة أعمالهم والأنظمة المرتبطة بوزارتهم، على أن تكون وزارة الاقتصاد والتخطيط هي الجهة المعنية بوضع ''مؤشرات أداء'' لكل وزير على ضوء خطط التنمية الخمسية التي بلغت تسعا في تعدادها.

وحال صدور الأمر الملكي بتعيين الوزير، يقوم الديوان الملكي بتقديم صورة من الأمر الكريم مع وصف وظيفي - يُحدث حسب المتغيرات - إلى الوزير الذي سيوقع عليه قبل أن يمثل أمام الملك لأداء القسم.

كما يجب أن تتم عملية تسلم وتسليم (hand-over) بين الوزير السابق والوزير الجديد، فيقوم السلف بالاجتماع بالخلف لنقل الملفات ''الوزارية'' إليه، وإشعاره بكل ما يتعلق بوزارته من خطط وبرامج ومشروعات منفذة أو معلقة ضمانا لاستمرارية العمل.

الصلاحيات الإدارية والمالية

أحيانا الصلاحيات الإدارية والمالية لا تذكر في ''الوصف الوظيفي''، وإنما تذكر في وثيقة مستقلة، تسمى ''لائحة الصلاحيات الإدارية والمالية''. وحاليا لا يتوافر ''مرجع واحد'' أمام الوزير يعثر فيه على كل صلاحياته التي حددتها له الأنظمة المرتبطة بوزارته. فلو أخذنا وزير المالية مثالا - وهو صاحب التوقيع الجميل على ريالاتنا!- سنلاحظ أن صلاحياته متناثرة في أكثر من عشرة أنظمة مالية، منها نظام النقد العربي السعودي، ونظام مؤسسة النقد العربي السعودي، ونظام جباية أموال الدولة، ونظام مراقبة البنوك...إلخ.

وليس من المعقول أن يضيع الوزير - وهو قائد ذو رؤية استراتيجية - وقته الثمين في تصفح الأنظمة واللوائح والتعاميم (أدبيات البيروقراطية!) للبحث عن صلاحياته الموزعة هنا وهناك. لذلك، نقترح على مجلس الوزراء (''هيئة الخبراء'' التي جمعت الأنظمة السعودية في مجلدات) أن ينفذ مشروع إعداد ''لائحة صلاحيات إدارية ومالية'' لكل وزير، ''مستخلصة'' من تلك الأنظمة الصادرة. فهيئة الخبراء هي خير من يعلم عن الأنظمة وتعديلاتها اللاحقة. وإذا نفذ هذا المشروع، فمن المستحسن أن يقوم مجلس الوزراء بتوزيع نسخ من لوائح الصلاحيات على الوزراء أنفسهم للاسترشاد بها، ونسخ على مجلس الشورى والجهات الرقابية.

الإرشاد الوظيفي والتدريب

في إدارة الموارد البشرية، هناك طريقة لتأهيل الموظفين (المديرين) تتم عن طريق ربط الموظف المستجد بالموظف المخضرم ليصبح الأخير بمثابة المرشد الوظيفي (mentor) للأول فترة من الزمن. وهنا قد يتبادر إلى الذهن وزراء مخضرمون، ممن خدموا في الوظيفة العامة لفترة طويلة، هؤلاء يعدون بمثابة ''الآباء الروحيين'' للعديد من الوزراء السابقين والحاليين. لذا، فمن الممكن إذا عُيّن الوزير الجديد أن يُعهد إلى أحد هؤلاء المخضرمين لفترة معينة - الأشهر الثلاثة الأولى مثلا - لكي يشد من ''أزره'' الوزاري.

أما بخصوص التدريب، فقد نلاحظ أن بعض المسؤولين في القطاعين العام والخاص قد يتعالون عليه، وهذا خطأ. إذ روى لي صديقي المدرب في أحد برامج ''ديل كارنيجي'' موقفا مر به عندما كان يقدم برنامجا تدريبيا لشركة اتصالات، كان يلاحظ أن أحد المتدربين - وهو مسؤول كبير في الشركة - يتململ، فطلب منه المشاركة، فأبى واستكبر وخرج من القاعة غاضبا واصفا البرنامج التدريبي بـ''الخرابيط''!

الموظف مهما علا منصبه يحتاج إلى تدريب وتأهيل. فالتعلم عملية مستمرة مدى الحياة. وهناك برامج خاصة للقياديين لا يرتادها إلا كبار مسؤولي القطاعين العام والخاص. لذا من الممكن لمجلس الوزراء أن يوفر برامج أو ورش عمل للوزراء حول القيادة والتخطيط الاستراتيجي واتخاذ القرارات وحل المشكلات والتفكير الإبداعي (غير التقليدي) والتعامل مع شكاوى المواطنين والمواطنات، وذلك بالتعاون مع الجامعات أو المراكز التدريبية المؤهلة.

تقييم الأداء وتعزيزه بالثواب أو العقاب

من المعتاد في الدول الأخرى أن الوزير باعتباره عضوا في السلطة التنفيذية يخضع لتقييم أداء ومساءلة من السلطة التشريعية، إضافة إلى تقييم الرئيس المباشر (رئيس مجلس الوزراء). وإذا نظرنا إلى نظام مجلس الشورى عندنا - وما طرأ عليه من تعديلات منذ صدوره عام 1992م - نتيقن أن العملية السياسية في السعودية تنمو تدريجيا بما يتواكب مع تطور المجتمع. فالمجلس على مدى عمره البالغ 19 عاما توسع من 60 إلى 90 إلى 120 إلى 150 عضوا. ولو استعرضنا مسؤوليات المجلس وفق نظامه الحالي (المادة 15)، نجدها تدور حول دراسة الأنظمة وتفسيرها ومناقشة الخطط والتقارير السنوية للجهات الحكومية.

وإذا كنا نتحدث عن النمو الطبيعي لمجلس الشورى، خاصة بعد موافقة خادم الحرمين الشريفين على مشاركة المرأة في المجلس، فإننا لا بد أن نشير إلى ''المسؤولية المرتقبة'' منه، وهي تقييم أداء السلطة التنفيذية (الحكومة) وأعضائها (الوزراء)، ومساءلة الوزير الذي يبدي تقصيرا في وزارته. فحاليا نجد أن المادة (22) من نظام المجلس تجيز لرئيس مجلس الشورى استدعاء أي مسؤول حكومي (كالوزير) لمناقشته في أمور تتعلق باختصاصاته. لكن: ما هو دور المجلس بعد أن يطوى ''النقاش'' بينه وبين الوزير؟ فالمناقشة ليست من مرادفات المساءلة أو المحاسبة!

ولأننا نشهد هذه الفترة ثلاثية وطنية (اليوم الوطني، وخطاب الملك للشورى، والانتخابات البلدية)، فإننا نتوقع، في استشرافنا للمستقبل، أن تفويض مجلس الشورى بمزيد من الصلاحيات سيتم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كامتداد لعطاءات هذا ''الملك المصلح'' الذي حقق نقلات كبرى في فترة وجيزة رغم كل التحديات الإقليمية والدولية.

في النهاية، يجب أن يعزز أداء الوزير بالثواب أو العقاب. فإن كانت نتيجة تقييم الوزير مرتفعة، تقدم للوزير عندئذ مجموعة من الحوافز لمكافأته على تميزه في العمل. أما إذا كانت نتيجة التقييم متدنية مع تزايد شكاوى المواطنين والمواطنات، فسوف يكون عرضة للإقالة مع المساءلة على التقصير.. ربما وفق المادة الخامسة من ''نظام محاكمة الوزراء'' الذي صدر في عهد الملك سعود - رحمه الله - عام 1961م.. أو ربما وفق أي نظام آخر..

 

بندر بن عبد العزيز الضبعان

كاتب ومتخصص في إدارة الموارد البشرية